ملخص الفصل
بين البيت والكتَّاب والمحكمة والمسجد وبيت المفتش ومجالس العلماء وحلقات الذكر ، لا هي بالحلوة ولا هي بالمرَّة ، ولكنها تحلو حيناً وتمر حيناً آخر ، وتمضي فيما بين ذلك فاترة سخيفة.
عرفه عندما فقد أخته الصغرى بالموت .
– واكتشف أن تلك الآلام التي كان يشقي بها ويكره الحياة من أجلها لم تكن شيئاً ، وأن الدهر قادر على أن يؤلم الناس ويؤذيهم ويحبب إليهم الحياة ويهون من أمرها على نفوسهم في وقت واحد.
وصف الصبي أخته بأنها : خفيفة الروح – طلقة الوجه – فصيحة اللسان – عذبة الحديث – قوية الخيال
– وصف طفولتها بأنها : طفولة لهو وعبث ، تجلس إلى الحائط فتتحدث إليه كما تتحدث أمها إلى زائرتها , وتبعث في كل اللعب التي كانت بين يديها روحاً قوياً وتسبغ (تضفي)عليها شخصية. فهذه اللعبة امرأة وهذه اللعبة رجل ، وهذه اللعبة فتى ، وهذه اللعبة فتاة ، والطفلة بين هؤلاء الأشخاص جميعا تذهب وتجيء ، وتصل بينها الأحاديث مرة في لهو وعبث ، وأخرى في غيظ وغضب ، ومرة ثالثة في هدوء واطمئنان.
كانت أم الصبي تعد الخبز والفطير ، وإخوة الصبي الكبار يتجهون للخياط والحذاء (صانع الأحذية) ، وإخوته الصغار يلهون بهذه الحركة الطارئة ، على عكس منه فهو بغير حاجة للذهاب للخياط ولا الحذاء وما كان ميالاً للهو مثلهم . وإنما كان يعيش فى عالم الخيال يستمده مما قرأه فى الكتب .
أصبحت الطفلة ذات يوم ضعيفة هزيلة فلم يهتم أحد وظلت محمومة وهى ملقاة فى ناحية من الدار لمدة ثلاثة أيام ، وفى عصر اليوم الرابع زاد الصراخ وأخذت الطفلة تتلوى ، والأم تسقيها ألوانا من الدواء وفجأة أخذ صياح الطفلة يخف وفارقت الحياة .
وتقدم الليل وأخذ صياح الفتاة يهدأ وأخذ صوتها يخف ، وأخذ اضطرابها يخف ، وخيل إلى هذه الأم التعسة أن الله قد سمع لها ولزوجها ، وأن قد أخذت الأزمة تنحل ، وأن الله كان قد رأف بها وأن خفوت الصوت وهدوء هذا الاضطراب كانا آيتي هذه الرأفة ، تنظر الأم إلى ابنتها فيخيل إليها أنها ستنام ،ثم تنظر فإذا هدوء متصل لا صوت ولاحركة وإنما هو نفس خفيف شديد الخفة يتردد بين شفتين مفتوحتين قليلا ثم ينقطع هذا النفس وإذا الطفلة قد فارقت الحياة .
عدّ طه حسين شقيقته ضحية الإهمال ؛ لأن أحداً لم يهتم بها عندما ظهرت أعراض المرض عليها وظلت محمومة أياماً ، ولم يستدعِ أحد الطبيب لعلاجها .
.والأطفال في القرى ومدن الأقاليم معرضون لهذا النوع من الإهمال ولا سيما إذا كانت الأسرة كثيرة العدد ، وربة البيت كثيرة العمل
الفلسفة الآثمة : إذا اشتكى طفل فنادراً ما تهتم به أمه وخاصة إذا كانت الأسرة كبيرة العدد والأم كثيرة العمل ، إنما تتركه كي يشفى بنفسه ، ولا تذهب به إلى طبيب بل تزدرى الطبيب أو تجهله ، وإذا عالجته فتعالجه بعلم النساء في الريف (الوصفات البلدية) .
الشبح المخيف هو شبح الموت الذي اختطف شقيقته .
الشيخ كان يأخذه الضعف الذي يأخذ الرجال في مثل هذه الحال ، فينصرف مهمهماً بصلوات وآيات من القرآن يتوسل (يستنجد) بها إلى الله.
– أما الأم فكانت جالسة واجمة تحدق في ابنتها وتسقيها ألوانا من الدواء .
صرخت الأم ولطمت الخدين وكان الدمع يقطع صوتها ، والأب لم ينطق ولكنه بكى ، أما الصبية انتشروا فى الدار وقد قست قلوب البعض فناموا ورق البعض فسهروا .
حين عاد الشيخ إلى داره مع الظهر ، بعد أن وارى ابنته فى التراب ، وكان ذلك يوم عيد الأضحى .
قصد الكاتب بهذه الأواصر استمرار الأحزان في البيت فقد خطف الموت بعد ذلك أباه الهرم (شديد الكبر) ، وما هي إلا أشهر أخرى حتى فقدت أم الصبي أمها الفانية (الهالكة)، ثم كانت الكارثة بفقد ابنها بداء الكوليرا .
كان هذا اليوم يوم الخميس 21 أغسطس من سنة 1902 عندما اختطف الموت ابنهم الذي كان يدرس بمدرسة الطب بعد إصابته بمرض الكوليرا .
وباء الكوليرا وقد تفشى بالقرية والقرى المجاورة كلها كما تفشى بالبلاد كلها ودمر مدناً وبلاداً ومحا أسراً كاملة .
– أما المقاومة فقد قام سيدنا بعمل الأحجبة ووزعها على أهل القرية ، وأرسلت مصلحة الصحة الأطباء الذين انبثوا في الأرض بأدواتهم وخيامهم يحجزون المرضى.
فى 21 / أغسطس / 1902 ، أهلك أهلها ودمر مدنا وقرى ومحا أسرا كاملة ، وملأ الخوف النفوس .
– كانت أم الصبى فى هلع مستمر ، وكانت تسأل نفسها ألف مرة فى كل يوم بمن تنزل النازلة من أبنائها .
كان شابا نجيباً ، ذكى القلب كان أنجبهم وأذكاهم ، مبتهجاً أبداً ، وكان حاصلا على البكالوريا وقد انتسب لمدرسة الطب وفي انتظار انقضاء الصيف ليذهب إلى القاهرة حتى يلتحق بمدرسة الطب . وعندما حل وباء الكوليرا اتصل بطبيب المدينة ورافقه حتى يتدرب معه على محاربة المرض ولكنه أصيب بالكوليرا ومات.
خرج الشاب مع القوافل الطبية كعادته ، وبعد عودته أخبر الأسرة أنهم في طريق القضاء على الوباء ، ثم شعر ببعض الغثيان ، وجلس إلى أبيه قليلاً ، ثم خرج مع أصدقائه يقضون بعض الليل على شاطئ ترعة الإبراهيمية .
أصيب بوباء الكوليرا ، فبعد منتصف الليل صرخ الشاب صرخة اخترقت سكون الليل وأيقظت النيام فقد تألم من القيء .
كان هادئاً رزيناً ، خائفاً على ابنه لكنه متماسك النفس مستعد لاحتمال النازلة ، ثم قام بإدخال ابنه لحجرته وأمر بالفصل بين الشاب وبين إخوته واستدعى الطبيب .
كانت خائفة مؤمنة ، فكانت ترفع ووجهها للسماء وتجتهد فى الدعاء والصلاة ، ثم تعود إلى ولدها تسنده إلى صدرها غير مهتمة بما قد يصيبها من عدوى
تجمع أهل القرية خارج المنزل في الصباح يواسون الشيخ بينما ازدحم الدار بنسوة يواسين الأم وظل الطبيب يتردد كل ساعة يتابع حالة المريض الشاب .
تمنى أن يرى أخاه الأزهري الموجود بالقاهرة ، وعمه الموجود بالجنوب لذلك طلب أن يبرقا إليهما ليراهما على عجل .
علم الشاب أنه مقبل على الموت ، والألم يزداد به ولا مفر منه فقبل ذلك بإيمان طيب وقال لأبيه إنه ليس خيراً من النبي محمد الذي مات ، بل طلب أباه ليواسيه ، ثم أخذ الألم يشتد وصوت الشاب يخفت شيئاً فشيئاً ثم سكت تماماً .
كان العم هو أول من لقى النعش فقد وصل بعد موت الشاب ولم يره حياً.
كانت الأسرة تعيب من يزور القبور ، ولكن تغير هذا بعد وفاة الابن ، وكانت الأسرة تعبر النيل لتزور القبور
من ذلك اليوم استقر الحزن العميق فى الدار واختفى الفرح ، الأم ينبعث من قلبها الشكوى ، والأب لا يجلس إلى طعام إلا ويتذكره فيبكى ، وتبكى أمه معه ، والأبناء يعزون الأبوين ويجهش الجميع بالبكاء .
تعوّد الشيخ ألاَّ يجلس إلى غدائه ولا إلى عشائه حتى يذكر ابنه ويبكيه ساعة أو بعض ساعة ، وأمامه امرأته تعينه على البكاء ، ومن حوله أبناؤه وبناته يحاولون تعزية هذين الأبوين فلا يبلغون منهما شيئا فيجهشون جميعا بالبكاء. من ذلك اليوم تعودت هذه الأسرة أن تعبر النيل إلى مقر الموتى من حين إلى حين ، وكانت من قبل ذلك تعيب الذين يزورون الموتى.
تغيّرت نفسية الصبي منذ فقد شقيقه .
– مظاهر ذلك التغيُّر : تغيرت نفسية صبينا تغيراً تاماً. عرف الله حقًّا وحرص على أن يتقرب إليه بكل ألوان التقرب : بالصدقة وبالصلاة حيناً آخر وبتلاوة القرآن مرة ثالثة.
وذلك بأن يحط (يلق ويبعد)عن أخيه بعض السيئات ، فكان يصوم ويصلي وله ولأخيه ، وكان يقرأ سورة الإخلاص آلاف المرات ثم يهب ذلك كله لأخيه .
سببها : مرض أخيه الذي كان يتمثل له في كل ليلة ، واستمر ذلك أعوامًا. ثم تقدمت به السن وعمل فيه الأزهر عمله ، فأخذت علة أخيه تتمثل له من حين إلى حين . وأصبح فتى ورجلا ، وتقلبت به أطوار الحياة ، وإنه لعلى ما هو فيه من وفاء لهذا الأخ يذكره ويراه فيما يرى النائم مرة في الأسبوع على أقل تقدير .
اللذان ظل يتذكرا هذا الشاب دائماً : أمه والصبي ( طه حسين ) .
– أما الذي كانت ذكرى هذا الشاب لا تأتيه إلا قليلاً فكان أباه الشيخ.
التدريب الأول : كتاب الأيام : الفصل التاسع، سجل في النموذج التالي
سلسلة الاختبارات الإلكترونية في البلاغة الاختبار (21) إعداد/ أحمد درديري سيتم إعداده قريبا
سلسلة الاختبارات الإلكترونية في البلاغة الاختبار (20) إعداد/ أحمد درديري سيتم إعداده قريبا
سلسلة الاختبارات الإلكترونية في البلاغة الاختبار (19) إعداد/ أحمد درديري سيتم إعداده قريبا
سلسلة الاختبارات الإلكترونية في البلاغة الاختبار (18) إعداد/ أحمد درديري سيتم إعداده قريبا
سلسلة الاختبارات الإلكترونية في البلاغة الاختبار (17) إعداد/ أحمد درديري سيتم إعداده قريبا
سلسلة الاختبارات الإلكترونية في البلاغة الاختبار (16) إعداد/ أحمد درديري سيتم إعداده قريبا